من مات على الشرك فهو في النار
يقول: {فقال له كعب بن الخدرية أحد بني بكر بن كلاب: مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: بنو المنتفق، بنو المنتفق، بنو المنتفق، أهل ذلك منهم، قال: فانصرفنا، وأقبلت عليه، فقلت: يا رسول الله! هل لأحدٍ ممن مضى من خير في جاهليتهم؟}، لقد تذكر الرجل آباءه وأجداده، والمكارم، والمروءات، والشيم، والأخلاق، والعطاء، والبذل، والمفاخر القديمة، فسأل: {يا رسول الله! هل لأحد ممن مضى من خير في جاهليتهم؟ فقال رجل من عُرْضِ قريش: والله إن أباك المنتفق لفي النار، قال: فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمه مما قال لأبي على رءوس الناس}، أي: كأن النار توقدت بين جلد وجهه ولحمه، عندما قال له: إن أباه من أهل النار أمام جمع من الناس.
قال: {فهممت أن أقول: وأبوك يا رسول الله؟! ثم إذا الأخرى أجمل}، وهذا من الخلق والأدب {فقلت: يا رسول الله! وأهلك؟}، فقوله: (وأهلك) خيرٌ مما لو قال: (وأبوك). أي: أهم كأبي في النار أم غير ذلك؟!
{قال: وأهلي، لعمر الله! حيثما أتيت على قبر عامري، أو قرشي من مشرك}، أي عندما تمر على أيّ قبر من قبور المشركين من بني عامر أو قريش، وهما أشرف العرب {قل: أرسلني إليك محمد، فأبشرك بما يسوؤك، تُجرُّ على وجهك وبطنك في النار}، أراد بذلك أن يخفف عنه، ويعلمه أن أباه ليس الوحيد في النار، فيذهب عنه ما وجده من حرج، وليعلم أيضاً أن هذا ليس خاصاً بأبيه؛ وإنما كل من مات على الشرك فهو في النار.
{قال: قلت: يا رسول الله! وما فعل بهم ذلك، وقد كانوا على عمل لا يحسنون إلا إياه، وكانوا يحسبون أنهم مصلحون؟! قال صلى الله عليه وسلم: ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبياً، فمن عصى نبيه كان من الضالين، ومن أطاع نبيه كان من المهتدين}، فقد كان بعض العرب يعرفون دين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويعرفون الحنيفية السمحة، ويعلمون أن الذي جاء بالأصنام هو عمرو بن لحي، ويعلمون أن هذا الحجر الذي يعبدونه لا يستحق العبادة، ولذلك يقول أحدهم:
أرب يبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت عليه الثعالب
ويصنع العجوة من التمر ويعبدها، فإذا جاع أكلها! فهذا شيء معروف بطلانه، فيقول: ليس الأمر كذلك؛ وهذا لا يعني أن جميعهم كذلك، وإنما يعني أن الذين كانت هذه هي حالهم فلا يعدون من أهل الفترة المعذورين بجهلهم..
وبهذا ينتهي هذا الحديث الجليل العظيم.